تشارلز بوكوفسكي، روائي وشاعر أمريكي، ولد في آندرناخ بألمانيا في السادس عشر من أغسطس عام 1920. هاجر مع عائلته إلى أمريكا واستقروا في مدينة لوس أنجلس وهو في الثالثة من عمره. تأثرت كتاباته بالتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المحيطة به في مدينة لوس أنجلس التي ترعرع وعاش فيها، وكانت أغلب المواضيع التي كتب فيها بوكوفسكي هي فعل الكتابة، الكحول، النساء، الحياة العبثية، والرجل الذي يريد أن ينال منك دوماً. كتب بوكوفسكي آلاف القصائد ومئات القصص القصيرة وست روايات، من أشهرها روايتيه مكتب البريد (1971) وشطيرة لحم الخنزير(1982)، مات تشارلز بوكوفسكي باللوكيميا وهو في الثالثة والسبعين في سان بيدرو في لوس أنجلس في التاسع من مارس عام 1994.
***
المدينة قصيدة*
المدينة قصيدة، قصيدة مليئة بالشوارع والمجاري
والقديسين، والأبطال والمتسولين، والمجانين،
مليئة بالخمر والأمور المبتذلة،
والمطر والرعد وفترات من الجفاف،
القصيدة مدينة في حرب،
قصيدة تسأل الساعة:
لماذا؟
القصيدة مدينة تحترق،
مدينة تحت القصف،
ودكاكين حلاقيها مليئة بسكارى ساخرين،
القصيدة مدينه يتجول فيها الإله عارياً
عبر الشوارع مثل: الليدي غوديفا،
أينما تنبح الكلاب في الليل،
طاردةً العَلم بعيداً.
القصيدة مدينة شعراء،
أغلبهم يشبهون بعضهم البعض،
حاسدين ومقهورين . .
القصيدة هي هذه المدينة الآن،
خمسون ميلاً بعيداً عن كل شيء،
الساعة 9:09 صباحاً،
مذاق الشراب والسجائر،
لا شرطة، لا أحباء، يتجولون في الشوارع،
هذه القصيدة، هذه المدينة، تُقفل أبوابها،
محصنة، شبه خالية،
بائسةً دون دموع، شائخةً دون شفقة،
جبال الهاردروك،
المحيط مثل لافندر (خزامى) ملتهبة،
القمر عدميّ دون أي عظمة،
موسيقى بسيطة تخرج من نوافذ محطمة . .
القصيدة مدينة، القصيدة أمة،
القصيدة هي العالم . . .
وأنا الآن أضعها تحت هذا الكأس
ليدقق فيها المحرر المجنون،
والليل في مكان آخر،
والنساء الشاحبات الرماديات يقفن على خط واحد،
وكلب يلحق كلباً آخر نحو مصب النهر،
والأبواق تُعد المشانق،
بينما يتبجح الرجال الصغار بأشياء
لا يمكنهم فعلها.
الرجل صاحب العينين الجميلتيّن*
عندما كنا أطفالاً
كان هناك بيت غريب
ستائره مغلقة دائماً في كل الأوقات،
لم نسمع أي صوت أبداً
من ذلك البيت.
الساحة كانت ممتلئة بأشجار الخيزران
وكنا نحب اللعب بين أشجار الخيزران
كنا نتظاهر أننا طرزان
(بالرغم من أن جاين لم تكن موجودةً معنا)
وكانت هناك بركة
بركة كبيرة جداً
مليئة بأسمن أسماك ذهبية
يمكنك أن تراها في حياتك،
هذه الأسماك كانت أليفةً أيضاً.
كانت تأتي إلى سطح البركة
وتأكل قطع الخبز الصغيرة من أيدينا.
قال لنا آباؤنا:
"إياكم الاقتراب من ذلك البيت،"
لهذا السبب بالطبع ذهبنا،
تساءلنا إن كان أحد ما يعيش في ذلك البيت،
أسابيع مرت علينا، ولكننا لم نر أي أحد.
وفي يوم ما
سمعنا صوتاً قادماً من البيت
"أيتها العاهرة الملعونة!"
كان الصوت صادراً من رجل.
بعدها فُتح باب البيت بقوة
وخرج الرجل من البيت.
كان يحمل زجاجة ويسكي ربع ممتلئة
في يده اليمنى.
كان يبدو في الثلاثين من عمره.
كان يضع سيجاراً في فمه
ووجهه يحتاج إلى حلاقة.
شعره كان كثيفاً وغير ممشط
وكان حافيَ القدمين
ويرتدي قميصاً داخلياً
وسروالاً.
ولكن عينيه كانتا ساطعتين.
عيناه توهجتا بتوهج غير مسبوق وقال لنا:
"أيها السادة الصغار، تقضون وقتاً جيداً حسبما آمل؟
أليس كذلك؟"
ثم ضحك ضحكة صغيرة
وعاد مجدداً إلى البيت.
غادرنا بعدها
وعدنا إلى ساحة بيتنا
وفكرنا بما قد حدث أمامنا.
آباؤنا، كما قررنا بعد التفكير،
أرادوا ابقاءنا بعيداً عن ذلك البيت
لأنهم لم يرغبوا لنا برؤية رجل كهذا،
رجل قوي وحقيقيّ بعينين جميلتيّن.
آباؤنا كانوا يشعرون بالعار
لأنهم ليسوا مثل ذلك الرجل،
لهذا أرادوا منا أن نبقى بعيداً عن ذلك البيت.
لكننا في النهاية، عدنا
عدنا لذلك البيت وأشجار الخيزران
وللبركة والأسماك الذهبية الأليفة.
عدنا في العديد من المرات
ولعديدٍ من الأسابيع
ولكننا لم نشاهد أو نسمع من الرجل
مرة أخرى.
الستائر كانت مغلقة كالعادة
وكان الجو هادئاً.
وفي أحد الأيام
ونحن عائدون من المدرسة
رأينا البيت،
كان قد احترق بالكامل
ولم يبقَ منه أي شيء،
بعض الأساسات المتفحمة لا غير.
ذهبنا إلى بركة الأسماك
فلم نجد فيها أي قطرة ماء
والأسماك الذهبية البرتقالية
كانت هناك ملقاة ميتة وتموت.
عدنا إلى ساحة بيتنا
وتكلمنا عما حدث
وقررنا أن آباءنا قاموا بحرق البيت،
قتلوا سكانه، وقتلوا الأسماك الذهبية
لأن كل شيء هناك كان جميلاً،
حتى الغابة الصغيرة من أشجار الخيزران احترقت بالكامل.
آباؤنا كانوا خائفين،
خائفين من الرجل صاحب العينين الجميلتين،
بعدها أصبحنا نحن خائفين،
أنه خلال حياتنا
ستحدث أشياء مثل هذه دائماً
أن لا أحد سيرغب في رؤية شخص آخر
قوي وجميل مثل ذلك الرجل،
وأن الآخرين لن يسمحوا أيضاً بذلك،
وأن العديد من الناس سيموتون من أجل هذا السبب.
الذي لا مكان له*
أحترق في الجحيم
أجزاء منى لا تجد أي مكان لها،
والآخرون يجدون أموراً
يفعلونها
في الوقت الذي يملكون فيه،
أمكنة يذهبون إليها
مع بعضهم البعض،
أشياء يقولونها
لبعضهم البعض.
أنا أحترق في الجحيم
في مكان ما جنوب المكسيك،
حيث لا تنبت الأزهار.
أنا لست كالآخرين،
الآخرون هم كالآخرين.
هم:
يرتبطون
يجتمعون
يلتقون مع بعضهم البعض.
هم راضون وسعداء،
أما أنا فأحترق في الجحيم.
قلبي عمره ألف سنة،
أنا لست كالآخرين.
أموت فوق الأرض التي يقضون عليها نزهاتهم
مخنوقاً بشعاراتهم
متوجعاً من أغانيهم
مكروهاً من جنودهم
مطعوناً من دعاباتهم
متعذباً من قلقهم.
أنا لست كالآخرين.
أنا أحترق في الجحيم،
جحيم نفسي.
رباط حذاء*
امرأة،
إطار سيارة مثقوب،
مرض،
رغبة: مخاوف أمامك،
مخاوف ثابتة جداً
يمكنك دراستها
كقطع شطرنج على رقعة.
ليست الأشياء الكبيرة
من ترسل
رجلاً إلى مستشفى المجانين.
إنه مستعد للموت، أو القتل،
سفاح القربى، سرقة، حريق،
فيضان . . .
لا، إنها المآسي الصغيرة المتكررة التي ترسل رجلاً
إلى مستشفى المجانين.
ليس موت الأحباء
بل رباط حذاء ينقطع فجأة
دون بقاء أي وقت.
فزع الحياة
أن حشداً من التفاهات
الموجودة دائماً هناك
يمكنها أن تقتل أسرع من السرطان –
لوحات السيارات أو الضرائب،
أو رخصة قيادة منتهية الصلاحية،
أو الحصول على العمل،
أو الطرد من العمل،
تفعلها أو يفعلونها بك،
أو صراصير أو ذباب
أو خطاف مكسور على شاشة،
أو انتهاء الوقود،
أو وقود أكثر من اللزوم،
المغسلة مسدودة، صاحب المكان ثمل،
الرئيس لا يهتم والحاكم مجنون.
مفتاح الإنارة مكسور،
السجادة مثل الشيهم،
105 دولار لتعديل السيارة،
الكربوراتور ومضخة الوقود
عند سيرز روّباك،
وفاتورة الهاتف مكلفة أكثر من قبل،
والسوق منهار،
وسلسلة المرحاض مكسورة،
والضوء احترق –
ضوء القاعة، الضوء الأمامي،
الضوء الخلفي، الضوء بالداخل؛
إنها أظلم من الجحيم
ومكلفةٌ أكثر منه بمرتين.
ثم هناك قمل العانة وأظافر الأقدام
المغروزة في الجلد،
والناس الذين يصرون أنهم أصدقاؤك،
هناك دائماً هذا وأسوأ؛
صنبور يسرب الماء،
المسيح وعيد الميلاد،
سلامي أزرق، 9 أيام ممطرة،
50 قرش من الأفاكادو،
وسجق محشو بالكبدة
لونه أرجواني.
أو النجاة كنادلة بدوام إضافي
في نورم،
أو كشخص يفرغ المقالي القذرة،
أو كغاسل السيارات،
أو كنادل،
أو كسارق حقائب السيدات المسنات
الذي يتركهن يصرخن على الأرصفة
بأذرعهن المكسورة بعمر الثمانين.
فجأةً
ضوءان أحمران يضيئان مرآتك الخلفية
ودم يسيل في سروالك الداخلي،
ألم الأسنان، و979 دولار لعمل جسر في أسنانك،
و300 دولار ثمن سن ذهبية،
والصين وروسيا وأمريكا،
وشعر طويل و شعر قصير و لا شعر،
ولحى ولا وجوه، والكثير من السير المتعرج
لكن دون وعاء،
إلا ربما واحد للتبول
والآخر حول الأحشاء.
مع كل رباط حذاء مقطوع
من 100 رباط حذاء مقطوع،
رجل واحد، امرأة واحدة،
شيء واحد
يدخل
مستشفى المجانين.
لذا كن حذراً
عندما تنحني.
فردوس بائس*
الأيام السيئة والليالي السيئة الآن
تأتي غالب الأحيان،
الحلم القديم بالحصول على
سنوات قليلة أسهل قبل الموت –
هذا الحلم تلاشى كما
تلاشت الأحلام الأخرى.
سيء جداً، سيء جداً، سيء جداً.
منذ البداية، خلال منتصف العمر
وحتى النهاية:
سيء جداً، سيء جداً، سيء جداً.
كانت توجد لحظات،
ومضات أمل،
لكنها بسرعة تنحل
إلى ذات الصيغة القديمة:
نتانة الواقع.
حتى عندما كان
الحظ موجوداً
والحياة ترقص بلحمها وشحمها
أمامك،
كنا نعرف أن بقاءها
سيكون
قصيراً.
سيء جداً، سيء جداً، سيء جداً.
كنا نريد مزيداً من
كل ما وُجد:
نساء حب و ضحك،
ليالي ماجنة كافية
لإشباع النمر،
أردنا أياماً تتمشى
خلال الحياة
ببعض اللياقة،
بقليل من المعنى،
أياماً مقبولة،
ليس شيئاً
وُجد
ليهدر هكذا،
بل شيء
ليبقى
في الذكرى،
شيء لوخز الموت به
في أحشائه.
سيء جداً، سيء جداً، سيء جداً.
في المجمل العام لكل شيء،
بالطبع،
معاناتنا التافهة
حمقاء و عبثية،
إلا أنني أشعر أن
أحلامنا ليست
كذلك.
نحن لسنا وحدنا.
العوامل القاسية
ليست انتقاماً شخصياً
ضد نفسٍ وحيدة.
آخرون يشعرون
بالاضطراب الحارق
ذاته،
يجنون، ينتحرون،
يتبلدون،
يركضون منكوبين
لآلهة خيالية،
يتخدرون،
يتحولون تلقائياً
إلى بُلهاء ،
يتلاشون داخل حشد
من عدم،
الذي نسميه عائلات،
مدناً، بلداناً.
لكن القدر ليس
وحده من يلام.
لقد ضيعنا فرصنا،
لقد خنقنا قلوبنا
بأنفسنا.
سيء جداً، سيء جداً، سيء جداً.
الآن نحن مواطنو العدم.
الشمس
ذاتها تعرف
الحقيقة التعيسة،
كيف سلمنا حياتنا
وموتنا
إلى طقوس ساذجة،
طقوس
جبانة
عديمة الفائدة،
والانسلال بعدها
بعيداً من أمام
المجد،
مُحولين أحلامنا
إلى روث،
كيف قلنا
لا، لا، لا، لا،
لأجمل "نعم" نُطقت
أبداً :
الحياة
بذاتها.
أردت إسقاط الحكومة لكن كل ما أسقطت هو زوجة أحدهم*
30 كلباً، 20 رجلاً على 20 حصاناً وثعلب واحد
واُنظر هنا، إنهم يكتبون،
أنت مغفل الدولة، الكنيسة،
أنت تعيش في حلم أناك،
اقرأ تاريخك، اُدرس النظام المالي،
لاحظ أن عمر هذه الحرب العنصرية هو 23,000 سنة.
حسناً، أتذكر منذ 20 عاماً مضى، كنت جالساً مع خياط يهودي عجوز،
أنفه على ضوء المصباح يبدو كمدفع موجه على العدو؛ وكان هناك
ذلك الصيدلاني الإيطالي الذي عاش في شقة فخمة بأفضل مكان من البلدة؛
خططنا لإسقاط السلالة الحاكمة المترنحة، الخياط يُخيّط الأزرار على الصدريّة،
الإيطالي يلكز عيني بسيجاره، وينيرني،
سلالة حاكمة مترنحة أنا بنفسي! دائماً ثمل قدر المستطاع،
واسع المعرفة، جائع، كئيب، لكن
مؤخرة يافعة جيدة يمكنها أن تُنهي كل حقدي،
لكنني لم أكن أعرف هذا؛ استمعتُ لإيطاليّ ويهوديّ
وذهبت أسفل الأزقة المظلمة وأنا أدخن السجائر المستعارة
مشاهداً المنازل من الخلف وهي تتهاوى محترقة،
لكن في مكان ما نحن فوّتنا الأمر: نحن لسنا رجالاً كفاية،
كباراً أو صغاراً كفاية،
أو فقط نحن كنا نريد الحديث أو كنا ضجرين، لذا سقطنا
خلال الأناركية،
واليهودي مات، والإيطالي أصبح غاضباً لأنني بقيت
مع زوجته عندما ذهب إلى الصيدلية؛
لم يكن يهتم بإسقاط حكومته الشخصية،
وهي كانت تسقط بسهولة، وأنا شعرت
ببعض الذنب: الأطفال كانوا نائمين في حجرة النوم الأخرى؛
لكن بعدها ربحت 200$ في لعبة كرابس وأخذت حافلة إلى نيو أورلينز
ووقفت في الزاوية مستمعاً للموسيقى الخارجة من الحانات
وعندها دخلت الحانات،
وجلست هناك أفكر باليهودي الميت،
كيف أن كل ما كان يقوم به
هو خياطة الأزرار والكلام،
وكيف انهار بسهولة بالرغم من أنه كان
أقوى واحد فينا،
انهار لأن مثانته لم تعد تحتمل أكثر،
وربما هذا ما أنقذ وول ستريت ومانهاتن
والكنيسة والحديقة المركزية الغربية وروما
والضفة اليسرى، لكن زوجة الصيدلاني، كانت لطيفة،
لقد تعبت من القنابل تحت الوسادة وهسهسة البابا،
وكانت تملك قواماً رائعاً جداً، ساقين جميلتين جداً،
لكن أظن أنها شعرت مثلي أنا: أن الضعف ليس الحكومة
بل الرجل، كل مرة على حدة، أن الرجال أبداً ما كانوا أقوياء
مثل أفكارهم
وأن هذه الأفكار هي حكومات تحولت إلى رجال؛
وهكذا بدأ الأمر على أريكة بكأس مارتيني مُراق
وانتهى في غرفة النوم: الرغبة، الثورة،
كل الهراء انتهى، والظلال صلصلت في الريح
مثل السيوف، مصدوعة كالمدافع،
و 30 كلباً، و20 رجلاً فوق 20 حصاناً طاردوا
ثعلباً واحداً
عبر الحقول تحت الشمس،
ونهضت من السرير وتثاءبت وقمتُ بحك بطني
وعلمت أنه قريباً
قريباً جداً
عليّ أن أكون ثملاً جداً
مرة ثانية.
تاريخ نفسي المؤلم*
هذه طريقة فظيعة للعيش:
محاطاً بالمغتاظين،
اللامبالين و شبه المجانين.
لكن تجاربي الأولى في حياتي كانت
تماماً تشبه كل ذلك.
من المفروض أنني اعتدت
على كل هذا الآن
من أبي التافه
الذي يغلي غضباً
إلى تمايل الإناث
اللاتي أتين لاحقاً،
الكآبة التهمتهم جميعاً،
الغضب غير المجدي،
الصراخ و هراء
الشفقة على النفس.
السعادة والبهجة البسيطة
كانت لهم ببساطة كالأمراض
التي يجب أن تستأصل.
تاريخ نفسي:
هذه الطريقة الفظيعة للعيش.
لكنني الآن أشعر أنني انتزعت
الانتصار
من كل الهستيريا السوداء
المستعرة عديمة الفائدة.
أنا الآن نجوت من
كل ذلك،
يمكنهم أن يضربوني
بحيواتهم الغاضبة
ويحرقوني على سرير موتي،
لكنني بطريقة ما وجدت
السلام الدائم
الذي لا يمكنهم أبداً
انتزاعه.
الرجل على البيانو*
الرجل على البيانو
يعزف أغنية
لم يكتبها
يغني كلماتٍ
ليست له
على بيانو
لا يملك،
بينما
الناس على الطاولات
يأكلون، يشربون ويتكلمون.
الرجل على البيانو
ينتهى من العزف
لا يصفق له أحد،
بعدها يبدأ بعزف أغنية ثانية
لم يكتبها
ويبدأ بغناء كلمات ليست له
على بيانو ليس له أيضاً.
بينما الناس على الطاولات
يستمرون في الأكل
والشرب والكلام.
عندما ينتهي من العزف
ولا يصفق له أحد،
يُعلن على المايك،
أنه سيأخذ استراحة لعشر دقائق.
يذهب إلى الحمام
يدخل إحدى الحجرات
يغلق الباب جيداً
يجلس على المرحاض
يُخرج سيجارة حشيش
ويشعلها!
هو سعيد
أنه ليس على البيانو
والناس على الطاولات
الذين يأكلون ويشربون ويتكلمون
سعداء أنه ليس على البيانو أيضاً.
هذا ما يحدث
على الأغلب في كل مكان
مع الجميع، ومع كل شيء.
وبشكل عنيف في الأماكن الشاهقة
البجعات السوداء تحترق.
[ترجمة: علي لطيف]